فصل: ذكر قتل أحمد خان صاحب سمرقند

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

  ذكر دخول جمع من الترك إفريقية وما كان منهم

في هذه السنة غدر شاهملك التركي بيحيى بن تميم بن المعز بن باديس وقبض عليه‏.‏

وكان شاهملك هذا من أولاد بعض الأمراء الأتراك ببلاد الشرق فناله في بلده أمر اقتضى خروجه منه فسار إلى مصر في مائة فارس فأكرمه الأفضل أمير الجيوش وأعطاه إقطاعًا ومالًا ثم بلغه عنه أسباب أوجبت إخراجه من مصر فخرج هو وأصحابه هاربين فاحتالوا حتى أخذوا سلاحًا وخيلًا وتوجهوا إلى المغرب فوصلوا إلى طرابلس الغرب وأهل البلد كارهون لواليها فأدخلوهم البلد وأخرجوا الوالي وصار شاهملك أمير البلد‏.‏

فسمع تميم الخبر فأرسل العساكر إليها فحصروها وضيقوا على الترك ففتحوها ووصل شاهملك معهم إلى المهدية فسر به تميم وبمن معه قال‏:‏ ولد لي مائة ولد أنتفع بهم وكانوا لا يخطيء لهم سهم‏.‏

فلم تطل الأيام حتى جرى منهم أمر غير تميمًا عليهم فعلم شاهملك ذلك وكان داهيًا خبيثًا فخرج يحيى بن تميم إلى الصيد في جماعة من أعيان أصحابه نحو مائة فارس ومعه شاهملك وكان أبوه تميم قد تقدم إليه أن لا يقرب شاهملك فلم يقبل‏.‏

فلما أبعدوا في طلب الصيد غدر به شاهملك فقبض عليه وسار به وبمن أخذ معه من أصحابه إلى مدينة سفاقس‏.‏

وبلغ الخبر تميمًا فركب وسير العساكر في أثرهم فلم يدركوهم ووصل شاهملك بيحيى بن تميم إلى سفاقس فركب صاحبها واسمه حمو وكان قد خالف على تميم ولقي يحيى ومشى في ركابه راجلًا وقبل يده وعظمه واعترف له بالعبودية فأقام عنده أيامًا ولم يذكره أبوه بكلمة وكان قد جعله ولي عهده فلما أخذ أقام أبوه مقامه ابنًا له آخر اسمه المثنى‏.‏

ثم إن صاحب سفاقس خاف يحيى على نفسه أن يثور معه الجند وأهل البلد ويملكوه عليهم فأرسل إلى تميم كتابًا يسأله في إنفاذ الأتراك وأولادهم إليه ليرسل ابنه يحيى ففعل ذلك بعد امتناع وقدم يحيى فحجبه أبوه عنه مدة ثم أعاده إلى حاله ورضي عنه ثم جهز تميم عسكرًا إلى سفاقس ويحيى معهم فساروا إليها وحصروها برًا وبحرًا وضيقوا على الأتراك بها وأقاموا عليها شهرين واستولوا عليها وفارقها الأتراك إلى قابس‏.‏

وكان تميم لما رضي عن ابنه يحيى عظم ذلك على ابنه الآخر المثنى وداخله الحسد فلم يملك نفسه فنقل عنه إلى أبيه ما غير قلبه عليه فأمر بإخراجه من المهدية بأهله وأصحابه فركب

البحر ومضى إلى سفاقس فلم يمكنه عامله من الدخول إليها وقصد مدينة قابس وبها أمير يقال له مكين بن كامل الدهسماني فأنزله وأكرمه فحسن له المثنى الخروج معه إلى سفاقس والمهدية وأطمعه فيهما وضمن الإنفاق على الجند من ماله فجمع مكين من يمكنه جمعه وسار إلى سفاقس ومعهما شاهملك التركي وأصحابه فنزلوا على سفاقس وقاتلوها‏.‏

وسمع تميم فجرد إليها جندًا فلما علم المثنى ومن معه أنهم لا طاقة لهم بها ساروا عنها إلى المهدية فنزلوا عليها وقاتلوها وكان الذي يتولى القتال في المهدية يحيى بن تميم وظهرت منه شهامة وشجاعة وحزم وحسن تدبير فلم يبلغ أولئك منها غرضًا فعادوا خائبين وقد تلف ما كان مع المثنى من مال وغيره وعظم أمر يحيى وصار وهو المشار إليه‏.‏

  ذكر قتل أحمد خان صاحب سمرقند

في هذه السنة في المحرم قتل أحمد خان صاحب سمرقند وكان قد كرهه عسكره واتهموه بفساد الاعتقاد وقالوا‏:‏ هو زنديق‏.‏

وكان سبب ذلك أن السلطان ملكشاه لما فتح سمرقند وأسر أحمد خان هذا قد وكل به جماعة من الديلم فحسنوا له معتقدهم وأخرجوه إلى الإباحة فلما عاد إلى سمرقند كان يظهر منه أشياء تدل على انحلاله من الدين فلما كرهه أصحابه وعزموا على قتله قالوا لمستحفظ قلعة كاسان وهو طغرل ينال بك ليظهر العصيان ليسير أحمد خان معهم من سمرقند إلى قتاله فيتمكنوا من قتله فعصى طغرل ينال بك فسار أحمد خان والعسكر إلى قتاله فلما نازل القلعة تمكن العسكر منه وقبضوا عليه وعادوا إلى سمرقند وأحضروا القضاة والفقهاء وأقاموا خصوصًا ادعوا عليه الزندقة فجحد فشهد عليه جماعة بذلك فأفتى الفقهاء بقتله فخنقوه وأجلسوا ابن عمه مسعودًا مكانه وأطاعوه‏.‏

  ذكر ما فعله يوسف بن آبق ببغداد

في هذه السنة في صفر سير الملك تتش يوسف بن آبق التركماني شحنة لبغداد ومعه جمع من التركمان فمنع من دخول بغداد وورد إليه صدقة بن مزيد صاحب الحلة وكان يكره تتش ولم يخطب له في بلاده فلما سمع ابن آبق بوصوله عاد إلى طريق خراسان ونهب باجسرا وقاتله العسكر ببعقوبا فهزمهم ونهبهم أفحش نهب وأكثر معه من التركمان وعاد إلى بغداد‏.‏

وكان صدقة قد رجع إلى الحلة فدخل يوسف بن آبق إلى بغداد وأراد نهبها والإيقاع بأهلها فمنعه أمير كان معه من ذلك ثم وصل إليه الخبر بقتل تتش فرحل عن بغداد إلى الموصل

  ذكر الحرب بين بركيارق وتتش وقتل تتش

في هذه السنة في صفر قتل تتش بن ألب أرسلان‏.‏

وكان سبب ذلك أنه لما هزم السلطان بركيارق كما ذكرناه سار من موضع الوقعة إلى همذان وقد تحصن بها أمير آخر فرحل تتش عنها فتبعه أمير آخر لأجل أثقاله فعاد عليه تتش فكسره فعاد إلى همذان واستأمن إليه وصار معه‏.‏

وبلغ تتش مرض بركيارق فسار إلى أصبهان فاستأذنه أمير آخر في قصد جرباذقان لإقامة الضيافة وما يحتاج إليه فأذن له فسار إليها ومنها إلى أصبهان وعرفهم خبر تتش‏.‏

وعلم تتش خبره فنهب جرباذقان وسار إلى الري وراسل الأمراء الذين بأصبهان يدعوهم إلى طاعته ويبذل لهم البذول الكثيرة وكان بركيارق مريضًا بالجدري فأجابوه يعدونه بالانحياز إليه وهم ينتظرون ما يكون من بركيارق‏.‏

فلما عوفي أرسلوا إلى تتش‏:‏ ليس بيننا غير السيف وساروا مع بركيارق من أصبهان وهم في نفر يسير فلما بلغوا جرباذقان أقبلت إليهم العساكر من كل مكان حتى صاروا في ثلاثين ألفًا فالتقوا بموضع قريب من الري فانهزم عسكر تتش وثبت هو فقتل قيل قتله بعض أصحاب آقسنقر صاحب حلب أخذًا بثأر صاحبه‏.‏

وكان قد قبض على فخر الملك بن نظام الملك وهو معه فأطلق واستقام الأمر والسلطنة لبركيارق وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه بالأمس ينهزم من عمه تتش ويصل إلى أصبهان في نفر يسير فلا يتبعه أحد ولو تبعه عشرون فارسًا لأخذوه لأنه بقي على باب أصبهان عدة أيام ثم لما دخلها أراد الأمراء كحله فاتفق أن أخاه حم ثاني يوم وصوله وجدر فمات فقام في الملك مقامه ثم جدر هو وأصابه مع سرسام فعوفي وبقي مذ كسره عمه إلى أن عوفي وسار عن أصبهان أربعة أشهر لم يتحرك عمه ولا عمل شيئًا ولو قصده وهو مريض أو وقت مرض أخيه لملك البلاد‏:‏ ولله سر في علاك وإنما كلام العدى ضربٌ من الهذيان ذكر حال الملك رضوان وأخيه دقاق بعد قتل أبيهما اكن تاج الدولة تتش قد أوصى أصحابه بطاعة ابن الملك رضوان وكتب إليه من بلد الجبل قبل المصاف الذي قتل فيه يأمره أن يسير إلى العراق ويقيم بدار المملكة فسار في عدد كثير منهم‏:‏ إيلغازي بن أرتق وكان قد سار إلى تتش فتركه عند ابنه رضوان ومنهم‏:‏ الأمير وثاب بن محمود بن صالح بن مرداس وغيرهما فلما قارب هيت بلغه قتل أبيه فعاد إلى حلب ومعه والدته فملكها وكان بها أبو القاسم الحسن بن علي الخوارزمي قد سلمها إليه تتش وحكمه في البلد والقلعة‏.‏

ولحق رضوان زوج أمه جناح الدولة الحسين بن أيتكين وكان مع تتش فسلم من المعركة وكان مع رضوان أيضًا أخواه الصغيران‏:‏ أبو طالب وبهرام وكانوا كلهم مع أبي القاسم كالأضياف لتحكمه في البلد واستمال جناح الدولة المغاربة وكانوا أكثر جند القلعة فلما انتصف الليل نادوا بشعار الملك رضوان واحتاطوا على أبي القاسم وأرسل إليه رضوان يطيب قلبه فاعتذر فبل عذره وخطب لرضوان على منابر حلب وأعمالها ولم يكن يخطب له بل كانت الخطبة لأبيه بعد قتله نحو شهرين‏.‏

وسار جناح الدولة في تدبير المملكة سيرة حسنة وخالف عليهم الأمير باغي بن سيان بن محمد بن ألب التركماني صاحب أنطاكية ثم صالحهم وأشار على الملك رضوان بقصد ديار بكر لخلوها من وال يحفظها فساروا جميعًا وقدم عليهم أمراء الأطراف الذين كان تتش رتبهم فيها وقصدوا سروج فسبقهم إليها الأمير سقمان بن أرتق جد أصحاب الحصن اليوم وأخذها ومنعهم عنها وأمر أهل البلد فخرجوا إلى رضوان وتظلموا إليه من عساكره وما يفسدون من غلاتهم ويسألونه الرحيل فرحل عنهم إلى الرها‏.‏

وكان بها رجل من الروم يقال له الفارقليط وكان يضمن البلد من بوزان فقاتل المسلمين بمن معه واحتمى بالقلعة وشاهدوا من شجاعته ما لم يكونوا يظنونه ثم ملكها رضوان وطلب باغي سيان القلعة من رضوان فوهبها له فتسلمها وحصنها ورتب رجالها وأرسل إليهم أهل حران يطلبونهم ليسلموا إليهم حران فسمع ذلك قراجة أميرها فاتهم ابن المفتي وكان ابن المفتي هذا قد اعتمد عليه تتش في حفظ البلد فأخذه وأخذ معه بني أخيه فصلبهم‏.‏

ووصل الخبر إلى رضوان وقد اختلف جناح الدولة وباغي سيان وأضمر كل واحد منهما الغدر بصاحبه فهرب جناح الدولة إلى حلب فدخلها واجتمع بزوجته أم الملك رضوان وسار رضوان وباغي سيان فعبرا الفرات إلى حلب فسمعا بدخول جناح الدولة إليها ففارق باغي سيان الملك رضوان وسار إلى أنطاكية ومعه أبو القاسم الخوارزمي وسار رضوان إلى حلب‏.‏

وأما دقاق بن تتش فإنه كان سيره أبوه إلى عمه السلطان ملكشاه ببغداد وخطب له ابنة السلطان وسار بعد وفاة السلطان مع خاتون الجلالية وابنها محمود إلى أصبهان وخرج إلى السلطان بركيارق سرًا وصار معه ثم لحق بأبيه وحضر معه الوقعة التي قتل فيها‏.‏

فلما قتل أبوه أخذه غلام لأبيه اسمه أيتكين الحلبي وسار به إلى حلب وأقام عند أخيه الملك رضوان فراسله الأمير ساوتكين الخادم الوالي بقلعة دمشق سرًا يدعوه ليملكه دمشق فهرب من حلب سرًا وجد في السير فأرسل أخوه رضوان عدة من الخيالة فلم يدركوه فلما وصل إلى دمشق فرح به الخادم وأظهر الاستبشار ولقيه فلما دخلها أرسل إليه باغي سيان يشير عليه بالتفرد بملك دمشق عن أخيه رضوان‏.‏

واتفق وصول معتمد الدولة طغدكين إلى دمشق ومعه جماعة من خواص تتش وعسكره وقد سلموا فإنه كان قد شهد الحرب مع صاحبه وأسر فبقي إلى الآن وخلص من الأسر فلما وصل إلى دمشق لقيه الملك دقاق وأرباب دولته وبالغوا في إكرامه وكان زوج والدة دقاق فمال إليه لذلك وحكمه في بلاده وعملوا على قتل الخادم ساوتكين فقتلوه وسار إليهم باغي سيان من أنطاكية ومعه أبو القاسم الخوارزمي فجعله وزيرًا لدقاق وحكمه في دولته‏.‏

  ذكر وفاة المعتمد بن عباد

في هذه السنة توفي المعتمد بن عباد الذي كان صاحب الأندلس مسجونًا بأغمات من بلد المغرب وقد ذكرنا كيف أخذت بلاده منه سنة أربع وثمانين وأربعمائة فبقي مسجونًا إلى الآن وتوفي وكان من محاسن الدنيا كرمًا وعلمًا وشجاعة ورئاسة تامة وأخباره مشهورة وآثاره وله أشعار حسنة فمنها ما قاله لما أخذ ملكه وحبس‏:‏ سلت علي يد الخطوب سيوفها فجذذن من جسدي الحصيف الأمتنا ضربت بها أيدي الخطوب وإنما ضربت رقاب الآملين بها المنى يا آملي العادات من نفحاتنا كفوا فإن الدهر كف أكفنا وله قصيدة يصف القيد في رجله‏:‏ تعطف في ساقي تعطف أرقم يساورها عضًا بأنياب ضيغم وإني من كان الرجال بسيبه ومن سيفه في جنة وجهنم وقال في يوم عيد‏:‏ فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا قد كان دهرك إن تأمره ممتثلًا فردك الدهر منهيًا ومأمورا من بات بعدك في ملك يسر به فإنما بات بالأحلام مسرورا وكان شاعره أبو بكر بن اللبانة يأتيه وهو مسجون فيمدحه لا لجدوى ينالها منه بل رعاية لحقه وإحسانه القديم إليه‏.‏

فلما توفي أتاه فوقف على قبره يوم عيد والناس عند قبور أهليهم وأنشد بصوت عال‏:‏ لما خلت منك القصور ولم تكن فيها كما قد كنت في الأعياد فمثلت في هذا الثرى لك خاضعًا وتخذت قبرك موضع الإنشاد وأخذ في إتمام القصيدة فاجتمع الناس كلهم عليه يبكون‏.‏ولو أخذنا في تفصيل مناقبه ومحاسنه لطال الأمر فلنقف عند هذا‏.‏

  ذكر وفاة الوزير أبي شجاع

في هذه السنة توفي الوزير أبو شجاع محمد بن الحسين بن عبد الله وزير الخليفة في جمادى الآخرة وأصله من روذراور وولد بالأهواز وقرأ الفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وكان عالمًا بالعربية وله تصانيف منها‏:‏ ذيل تجارب الأمم وكان عفيفًا عادلًا حسن السيرة كثير الخير والمعروف وكان موته بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مجاورًا فيها‏.‏

ولما حضره الموت أمر فحمل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فوقف بالحضرة وبكى وقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 64‏]‏‏.‏ وقد جئت معترفًا بذنوبي وجرائمي أرجو شفاعتك‏.‏

  ذكر الفتنة بنيسابور

في هذه السنة في ذي الحجة جمع أمير كبير من أمراء خراسان جمعًا كثيرًا وسار بهم إلى نيسابور فحصرها فاجتمع أهلها وقاتلوه أشد قتال ولازم حصارهم نحو أربعين يومًا فلما لم يجد له مطمعًا فيها سار عنها في المحرم سنة تسع وثمانين فلما فارقها وقعت الفتنة بها بين الكرامية وسائر الطوائف من أهلها فقتل بينهم قتلى كثيرة‏.‏

وكان مقدم الشافعية أبا القاسم ابن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني ومقدم الحنفية القاضي محمد بن أحمد بن صاعد وهما متفقان على الكرامية ومقدم الكرامية محمشاد فكان الظفر للشافعية والحنفية على الكرامية فخربت مدارسهم وقتل كثير منهم ومن غيرهم وكانت فتنة عظيمة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في ربيع الآخر شرع الخليفة في عمل سور على الحريم وأذن الوزير عميد الدولة بن جهير للعامة في التفرج والعمل فزينوا البلد وعملوا القباب وجدوا في عمارته‏.‏

وفيها في رمضان جرح السلطان بركيارق جرحه إنسان ستري له من أهل سجستان في عضده ثم أخذ الرجل وأعانه رجلان أيضًا من أهل سجستان فلما ضرب الرجل الجارح اعترف أن هذين الرجلين وضعاه واعترفا بذلك فضربا الضرب الشديد ليقرا على من أمرهما بذلك فلم يقرا فقربا إلى الفيل ليجعلا تحت قوائمه وقدم أحدهما فقال‏:‏ اتركوني أنا أعرفكم فتركوه فقال لصاحبه‏:‏ يا أخي لا بد من هذه القتلة فلا تفضح أهل سجستان بإفشاء الأسرار فقتلا‏.‏

وفيها توجه الإمام أبو حامد الغزالي إلى الشام وزار القدس وترك التدريس في النظامية واستناب أخاه وتزهد ولبس الخشن وأكل الدون وفي هذه السفرة صنف إحياء علوم الدين وسمعه منه الخلق الكثير بدمشق وعاد إلى بغداد بعدما حج في السنة التالية وسار إلى خراسان‏.‏

وفيها في ربيع الأول خطب لولي العهد أبي الفضل منصور بن المستظهر بالله‏.‏

وفيها عزل بركيارق وزيره مؤيد الملك بن نظام الملك واستوزره أخاه فخر الملك وسبب ذلك أن بركيارق لما هزم عمه تتش وقتله أرسل خادمًا ليحضر والدته زبيدة خاتون من أصبهان فاتفق مؤيد الملك مع جماعة من الأمراء وأشاروا عليه بتركها فقال‏:‏ لا أريد الملك إلا لها وبوجودها عندي فلما وصلت إليه وعلمت الحال تنكرت على مؤيد الملك وكان مجد الملك أبو

الفضل البلاساني قد صحبها في طريقها وعلم أنه لا يتم له أمر مع مؤيد الملك وكان بين مؤيد الملك وأخيه فخر الملك تباعد بسبب جواهر خلفها أبوهم نظام الملك فلما علم فخر الملك تنكر أم السلطان على أخيه مؤيد الملك أرسل وبذل أموالًا جزيلة في الوزارة فأجيب إلى ذلك وعزل أخوه وولي هو‏.‏

و في هذه السنة في جمادى الأولى توفي أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي الفقيه الحنبلي وكان عارفًا بعدة علوم وكان قريبًا من السلاطين‏.‏

وفيها في رجب توفي أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون المعروف بابن الباقلاني وهو مشهور ومولده سنة ست وأربعمائة‏.‏

وفيها في شعبان توفي قاضي القضاة أبو بكر محمد بن المظفر الشامي وكان من أصحاب أبي الطيب الطبري ولم يأخذ على القضاء أجرًا وأقر الحق مقره ولم يحاب أحدًا من خلق الله ادعى عنده بعض الأتراك على رجل شيئًا فقال‏:‏ ألك بينة قال‏:‏ نعم‏!‏ فلان والمشطب الفقيه الفرغاني فقال‏:‏ لا أقبل شهادة المشطب لأنه يلبس الحرير فقال التركي‏:‏ فالسلطان ونظام الملك يلبسان الحرير فقال‏:‏ لو شهدا عندي على باقة بقل لم أقبل شهادتهما وولي القضاء بعده أبو الحسن علي ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد الدامغاني‏.‏

وفيها مات القاضي أبو يوسف عبد السلام بن محمد القزويني ومولده سنة إحدى عشرة وأربعمائة وكان مغاليًا في الاعتزال وقيل كان زيدي المذهب‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو بكر بن الرطبي قاضي دجيل وكان شافعي المذهب وولي بعده أخوه أبو العباس أحمد بن الحسن بن أحمد أبو الفضل الحداد الأصبهاني صاحب أبي نعيم الحافظ روى عنه حلية الأولياء وهو أكبر من أخيه أبي المعالي وأبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن حميد الحميدي الأندلسي ولد قبل العشرين وأربعمائة وسمع الحديث ببلده ومصر والحجاز والعراق وهو مصنف الجمع بين الصحيحين وكان ثقة فاضلًا وتوفي في ذي الحجة ووقف كتبه فانتفع بها الناس‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وثمانين وأربعمائة

  ذكر قتل يوسف بن آبق

في هذه السنة في المحرم قتل يوسف بن آبق الذي ذكرنا أنه سيره تاج الدولة تتش إلى بغداد ونهب سوداها‏.‏

وكان سبب قتله أنه كان بحلب بعد قتل تاج الدولة وكان بحلب إنسان يقال له المجن وهو رئيس الأحداث بها وله أتباع كثيرون فحضر عند جناح الدولة حسين وقال له‏:‏ إن يوسف بن آبق يكاتب باغي سيان وهو على عزم الفساد واستأذنه في قتله فأذن له وطلب أن يعينه بجماعة من الأجناد ففعل ذلك فقصد المجن الدار التي بها يوسف فكبسها من الباب والسطح وأخذ يوسف فقتله ونهب كل ما كان في داره وبقي بحلب حاكمًا فحدثته نفسه بالتفرد بالحكم عن الملك رضوان فقال لجناح الدولة‏:‏ إن الملك رضوان أمرني بقتلك فخذ لنفسك فهرب جناح الدولة إلى حمص وكانت له فلما انفرد المجن بالحكم تغير عليه رضوان وأراد منه أن يفارق البلد فلم يفعل وركب في أصحابه فلو هم بالمحاربة لفعل ثم أمر أصحابه أن ينهبوا ماله وأثاثه ودوابه ففعلوا ذلك واختفى فطلب فوجد بعد ثلاثة أيام فأخذ وعوقب وعذب ثم قتل هو وأولاده وكان من السواد يشق الخشب ثم بلغ هذه الحالة‏.‏

  ذكر وفاة منصور بن مروان

في هذه السنة في المحرم توفي منصور بن نظام الدين بن نصر الدولة بن مروان صاحب ديار بكر وهو الذي انقرض أمر بني مروان على يده حين حاربه فخر الدولة بن جهير وكان جكرمش قد قبض عليه بالجزيرة وتركه عند رجل يهودي فمات في داره وحملته زوجته إلى تربة آبائه فدفنته ثم حجت وعادت إلى بلد البشنوية فابتاعت ديرًا من بلد فنك بقرب جزيرة ابن عمر وأقامت فيه تعبد الله‏.‏

كوان منصور شجاعًا شديد البخل له في البخل حكايات عجيبة‏.‏

فتعسًا لطالب الدنيا المعرض عن الآخرة ألا ينظر إلى فعلها بأبنائها بينما منصور هذا ملك من بيت ملك آل أمره إلى أن مات في بيت يهودي نسأل الله تعالى أن يحسن أعمالنا ويصلح عاقبة أمرنا في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه‏.‏

  ذكر ملك تميم مدينة قابس أيضًا

في هذه السنة ملك تميم بن المعز مدينة قابس وأخرج منها أخاه عمرًا‏.‏

وسبب ذلك أنها كان بها إنسان يقال له قاضي بن إبراهيم بن بلمونة فمات فولى أهلها عليهم عمرو بن المعز فأساء السيرة وكان قاضي بن إبراهيم عاصيًا على تميم وتميم يعرض عنه فسلك عمرو طريقه في ذلك فأخرج تميم العساكر إلى أخيه عمرو ليأخذ المدينة منه فقال له بعض أصحابه‏:‏ يا مولانا لما كان فيها قاضي توانيت عنه وتركته فلما وليها أخوك جردت إليه العساكر فقال‏:‏ لما كان فيها غلام من عبيدنا كان زواله سهلًا علينا وأما اليوم وابن المعز بالمهدية وابن المعز بقابس فهذا ما لا يمكن السكوت عليه‏.‏

وفي فتحها يقول ابن خطيب سوسة القصيدة المشهورة التي أولها‏:‏ ضحك الزمان وكان يلقى عابسا لما فتحت بحد السيف قابسا الله يعلم ما حويت ثمارها إلا وكان أبوك قبل الغارسا من كان في زرق الأسنة خاطبًا كانت له قلل البلاد عرائسا فابشر تميم بن المعز بفتكة تركتك من أكناف قابس قابسا ولوا فكم تركوا هناك مصانعًا ومقاصرًا ومخالدًا ومجالسا فكأنها قلب وهن وساوس جاء اليقين فذاد عنه وساوسا

  ذكر ملك كربوقا الموصل

في هذه السنة في ذي القعدة ملك قوام الدولة أبو سعيد كربوقا مدينة الموصل وقد ذكرنا أن تاج الدولة تتش أسره لما قتل آقسنقر وبوزان فلما أسره أبقى عليه طمعًا في استصلاح حميه الأمير أنر ولم يكن له بلد يملكه إذا قتله كما فعل الأمير بوزان فإنه قتله واستولى على بلاده ولم يزل قوام الدولة محبوسًا بحلب إلى أن قتل تتش وملك ابنه الملك رضوان حلب فأرسل السلطان بركيارق رسولًا يأمره بإطلاقه وإطلاق أخيه التونتاش فلما أطلقا سارا واجتمع عليهما كثير من العساكر البطالين فأتيا حران فتسلماها وكاتبهما محمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وهو بنصيبين ومعه ثروان بن وهيب وأبو الهيجاء الكردي يستنصرون بهما على الأمير علي بن شرف الدولة وكان بالموصل قد جعله بها تاج الدولة تتش بعد وقعة المضيع‏.‏

فسار كربوقا إليهم فلقيه محمد بن شرف الدولة على مرحلتين من نصيبين واستحلفهما لنفسه فقبض عليه كربوقا بعد اليمين وحمله معه وأتى نصيبين فامتنعت عليه فحصرها أربعين يومًا وتسلمها وسار إلى الموصل فحصرها فلم يظفر منها بشيء فسار عنها إلى بلد وقتل بها محمد بن شرف الدولة وغرقه وعاد إلى حصار الموصل ونزل على فرسخ منها بقرية باحلافا وترك التونتاش شرقي الموصل فاستنجد علي بن مسلم صاحبها بالأمير جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر فسار إليه نجدة له فلما علم التونتاش بذلك سار إلى طريقه فقاتله فانهزم جكرمش وعاد إلى الجزيرة منهزمًا وصار في طاعة كربوقا وأعانه على حصر الموصل وعدمت الأقوات بها وكل شيء حتى ما يوقدونه فأوقدوا القير وحب القطن‏.‏

فلما ضاق بصاحبها علي الأمر وفارقها وسار إلى الأمير صدقة بن مزيد بالحلة وتسلم كربوقا البلد بعد أن حصره تسعة أشهر وخافه أهله لأنه بلغهم أن التونتاش يريد نهبهم وأن كربوقا يمنعه من ذلك فاشتغل التونتاش بالقبض على أعيان البلد ومطالبتهم بودائع البلد واستطال على كربوقا فأمر بقتله فقتل في اليوم الثالث وأمن الناس شره وأحسن كربوقا السيرة فيهم وسار نحو الرحبة فمنع عنها فملكها ونهبها واستناب بها وعاد‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة اجتمع ستة كواكب في برج الحوت وهي الشمس والقمر والمشتري والزهرة والمريخ وعطارد فحكم المنجمون بطوفان يكون في الناس يقارب طوفان نوح فأحضر الخليفة المستظهر بالله ابن عيسون المنجم فسأله فقال‏:‏ إن طوفان نوحان اجتمعت الكواكب السبعة في برج الحوت والآن فقد اجتمع ستة منها وليس منها زحل فلو كان معها لكان مثل طوفان نوح ولكن أقول إن مدينة أو بقعة من الأرض يجتمع فيها عالم كثير من بلاد كثيرة فيغرقون فخافوا على بغداد لكثرة من يجتمع فيها من البلاد فأحكمت المسنيات والمواضع التي يخشى منها الانفجار والغرق‏.‏

فاتفق أن الحجاج نزلوا بوادي المياقت بعد نخلة فأتاهم سيل عظيم فأغرق أكثرهم ونجا من وفيها في صفر درس الشيخ أبو عبد الله الطبري الفقيه الشافعي بالمدرسة النظامية ببغداد رتبه فيها فخر الملك بن نظام الملك وزير بركيارق‏.‏

وفيها أغارت خفاجة على بلد سيف الدولة صدقة بن مزيد فأرسل في أثرهم عسكرًا مقدمه ابن عمه قريش بن بدران بن دبيس بن مزيد فأسرته خفاجة وأطلقوه وقصدوا مشهد الحسين بن علي عليه السلام فتظاهروا فيه بالفساد والمنكر فوجه إليهم صدقة جيشًا فكبسوهم وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا في المشهد حتى عند الضريح وألقى رجل منهم نفسه وهو على فرسه من على السور فسلم هو والفرس‏.‏

و في هذه السنة في صفر توفي القاضي أبو مسلم وادع بن سليمان قاضي معرة النعمان والمستولي على أمورها وكان رجل زمانه همة وعلمًا‏.‏

وفيها في ربيع الأول توفي أبو بكر محمد بن عبد الباقي المعروف بابن الخاضبة المحدث وكان عالمًا‏.‏

وفيها في رمضان توفي أبو بكر عمر بن السمرقندي ومولده سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة‏.‏

وفيها في رمضان توفي أبو الفضل عبد الملك بن إبراهيم المقدسي المعروف بالهمذاني وكان عالمًا في عدة علوم وقد قارب ثمانين سنة‏.‏